«الغياب» قصة قصيرة للكاتب محمد محمود غدية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

ركب البحر وناطح الصخر وصارع الموج، ليجد نفسه فى بلاد لا تتحدث لغته، بين مهمشين كثر غيره  لغتهم الإشارة وجوههم صلدة جهمة، فى أول خيط من الليل تسلل هارباً، لا يعرف إلى أين يمضي؟

 قادته قدماه إلى ميدان ضخم به نافورات مضيئة وتماثيل صخرية فى غاية من النظافة والجمال، الناس يلقون بعملات معدنية فى فناء النافورة إنه فى ميدان العشاق، يلقون بالعملات ليبارك الرب ذلك الحب والأمنيات، فكر أن يخلع عنه ملابسه ويجمع العملات المعدنية، لكنه تراجع  فى آخر لحظة  مكتفياً بالدهشة  !!

تذكر أنه فنان  يرسم (البروتريهات) أخذ يرسم وجوه العشاق ونجح فى العيش بعيداً عن المهمشين

- طلب أحدهم أن يرسمه وبعد أن فرغ من الرسم، اكتشف أنه أمام فنان موهوب، أعطاه ورقه مالية كبيرة بعد أن طلب مصاحبته إلى الأتيليه الذى يبيع فيه لوحات فنية قديمة، يشتريها من المزادات ويعيد ترميمها ومعالجتها وبيعها، طلب منه مساعدته فى بعث الحياة إلى اللوحات، وافقه بعد أن وفر له المسكن، تعلم اللغة وأصبح خبيراً باللوحات الأصلية وانتعشت أحواله المادية، وانقطعت أخباره ومراسلاته للأهل لكثرة تنقله بين صالات المزادات فى كل الدنيا

 - والدته أقعدها المرض والغياب،  لا تغادر الفراش 

 - إهتدى والده إلى حل يطفىء لهيب شوق الأم لولدها، فكتب الرسائل عوضاً عن إبنه، لتحتضنها الأم وتنهض من الفراش وتتنفس أنسام الصباح، انتظارا لغائب لا يعود، وتطلب من والده أن يكتب له شوقاً يماثل شوقه لها.

- كانت الرسائل التى لم يكتبها الابن وكتبها الأب عوضاً عنه، بمثابة قوس قزح لونت سماء الأم، بين لوعة أب استشعر الغياب، وأم تحتضن رسائل زائفة!

- تهجر الأم دنيا الصخب لائذة بجذر الصمت، ويعيش الأب ذكرى الغياب الأليم، والابن تتساقط سنوات عمره كأوراق خريف ذابل، وسط غابات وزخات مطر مؤلمة تحيط به هالات من ضباب مصفر غير صاف، تبتلعه مدن الثلج والصقيع والدهشة والتيه، فى وجهه لوعة داكنة  وامتعاض كثيف ينبىء عن عمر سينطفئ بعد لحظات.